في منتصف هذا الشهر سيطل علينا شهر رمضان المبارك ،وهو شهر الصيام الذي يعد أحد أركان الإسلام ،حيث يمتنع المسلمون والمسلمات عن الطعام والشراب والمحظورات التي تبطل الصيام من الفجر إلى غروب الشمس إلا من كان له عذر مباح ، فهو شهر العبادة والمغفرة .
وهنا في ألمانيا تتراوح التقديرات حول أعداد المسلمين بين 3.8 و 4.5 مليون نسمة، وتعد ساعات الصيام فيها وفي الدول الأوروبية الأطول وتصل إلى قرابة الـ19 ساعة يوميا.
ورغم الغصة والجدل و التحديات التي يعيشها اللاجئون والمغتربون ، حيث يفتقد المسلمون للأجواء الرمضانية ،ومنها غياب (المسحراتي) الذي يقوم بإيقاظ المسلمين ليلا لتناول وجبة السحور قبل صلاة الفجر حاملا الطبل أو المزمار ، و (الحكواتي) الذي يسرد القصص في المقاهي وأيضا الكثير من الأجواء الأخرى ، يلجأ المغتربون إلى إحياء بعض الأجواء الرمضانية للحفاظ على العادات والتقاليد ، فالبداية تكون بالمظاهر التراثية ،حيث يقوم المسلمون بتزيين المنازل بالفانوس والمدفع وهلال رمضان وإشراك الأطفال في إعدادها للشعور بالأجواء الروحانية ، بالإضافة إلى التفرغ للعبادات حيث قراءة القرآن وقيام الليل وتأدية صلاة التراويح ، كما يقومون بدعوة الأصدقاء للإفطار معا وبالزيارات من أجل الشعور بالأجواء العائلية.
و في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك يُحيي المسلمون ليلة القدر التي أُنزل فيها القرآن على النبي “محمد” صلى الله عليه وسلم، ويقومون بتوزيع “زكاة الفطر” وهي صدقة يجب إخراجها للفقراء قبل خروج الناس إلى صلاة عيد الفطر .
كما وتنظم بعض مساجد ألمانيا وجبات فطور جماعية للمسلمين ولغير المسلمين، للتعريف بالإسلام وللتقارب مع مواطني البلد، في حين تمنح بعض الشركات الألمانية موظفيها من المسلمين فرصة تغيير أوقات العمل بحيث تتناسب مع أوقات السحور والفطور في رمضان.
لكن في المقابل هناك جدل يتم التطرق إليه في المجتمع الأوروبي حول مفهوم الصيام خاصة في شهر رمضان ، وتحديات يتعرض لها المسلمون فيحاولون دائما مواجهتها و تصحيح النظرة لمفهوم الإسلام والصيام.
فيرى البعض بأن الامتناع عن الطعام والشراب لفترة طويلة يؤثرعلى التركيز والنشاط لدى الصائم وخاصة عند الأطفال ، حيث نصحت جمعيات وأطباء وساسة ألمان، الأباء المسلمين بالانتباه أكثر إلى صحة أطفالهم خلال شهر رمضان، وعدم “إجبارهم” على الصيام، وللتوضيح فالإسلام لا يلزم الطفل بالصيام إلا عندما يبلغ سن التكليف الشرعي أي البلوغ، لكن يلجأ بعض الأباء إلى جعل الطفل يصوم أيام العطل أو يصوم بضع ساعات بعد العودة من المدرسة فيتبعون صيام المئذنة (بمعنى أن يصوم الأطفال من الفجر إلى الظهر أو من الظهر إلى العصر..) وذلك في إطار تدريبه على الصيام دون أن يؤثر ذلك على تركيزه وصحته.
وبكون الإسلام دين يسر وليس عسر ، فبعكس ما يظن البعض بأن الصيام إلزامي على جميع المسلمين مهما كانت ظروفهم، يحق لم لديه عذر شرعي مباح عدم الصوم (كالمرض ، السفر، الحمل والرضاعة، الحيض والنفاس، إضافة إلى أصحاب المهن الشاقة والذين يبذلون مجهودا شاقة خاصة إذا جاء شهر رمضان في فصل الصيف..)، لكن المفطر بعذر شرعي يجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها إلى حلول شهر رمضان الأخر ، أما من لايستطيع الصيام أداءاً وقضاءً عليه الفدية أي إطعام مسكين كل يوم نص صاع من الطعام.
أما بخصوص الصيام وتأثيره على الجسم والعقل ، فالكثير من الدراسات توصلت إلى أن فترات الصيام المتواصلة تؤدي لإعادة تفعيل الجهاز المناعي للجسم وانخفاض نسبة الدهون والتقليل من خطر التعرض لأمراض القلب، لكن يجب على الصائم اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن خلال فترة الإفطار لتجنب التعب والعطش كـ(توزيع فترات الطعام، تخفيف الأطعمة المقلية، شرب السوائل ، تناول البقوليات واللحوم و البيض والخضراوات، والتقليل من الأطعمة المملحة والحلويات..)، مع التأكيد على تناول وجبة السحور لأنها هامة جدا لاسيما في أيام الصوم الحارة حيث تساعد على تحمل العطش وتعب النهار.
كما أن للصيام فوائد نفسية كتدريب الإنسان على التحكم بشهواته وتهذيبها والتعايش مع مختلف الظروف الصعبة وتنمية الشعور بالفقراء والجائعين الذي لا يملكون الطعام والشراب.
ولكون الصيام له فوائد كثيرة ، ففي الآونه الأخيرة تم الحديث عن الصيام المتقطع، الذي حظي بشعبية كبيرة على المستوى العالمي، كوسيلة لفقدان الوزن والشفاء من عدة أمراض ،حيث يرافق الصيام تقييد في السعرات الحرارية ،لكن يُنصح بأن يتم ذلك تحت إشراف طبي .

وبعد صيام شهر رمضان المبارك أي بعد ٢٩ أو ٣٠ يوما، يأتي عيد الفطر السعيد، وهو أول يوم يفطر فيه المسلمون بعد شهر الصيام ، لذلك سمي عيد الفطر، فكل عام وأنتم
بألف خير، أعاده الله علينا وعليكم بالصحة والعافية.

بقلم إباء الساعدي