الجائحة والاندماج: نماذج، تحديات و توقعات

في عصرنا الحالي الذي يتميز بموجة جديدة من الهجرة، بالتطور التكنولوجي وبوسائل التواصل الاجتماعي التي غزت حياتنا اليومية واختصرت المسافات  و وباء جديد الذي يبدو أنه من المستحيل إيقافه، يمكننا الآن التحدث عن عالم أصبح كقرية، ولكن ليس فقط كأي قرية، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض ويعيش الجميع تقريبًا نفس نمط الحياة. يتعلق الأمربقرية تضم العالم كله بتنوعه الثقافي والعرقي. وبالتالي، لم يعد بإمكاننا التحدث عن ثقافة واحدة تميز مدننا، بل عن ثقافات مختلفة. لهذا السبب، يُطرح السؤال تلقائيًا حول كيفية إدارة كل هذه الحركة المستمرة والتغيير الاجتماعي.

الشيء المؤكد أن الهجرة ليست ظاهرة جديدة، لكنها ظاهرة قديمة ميزت تاريخ الإنسان منذ نشأته وكانت موضوع دراسات مختلفة. الدراسات التي أدت إلى تطوير المصطلحات المختلفة التي تصف المجتمعات الناتجة عن المقارنة والالتقاء بين الثقافات المختلفة، خاصة في الدول الغربية. لذلك نتحدث عن نماذج مختلفة للاندماج تمت دراستها وتحليلها من قبل مختلف علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا.

النموذج الأول، الذي يُفترض أنه تم اجتيازه، هو التعددية الثقافية (Multikulturalismus)، التي ميزت بلدانًا مختلفة مثل بريطانيا وفرنسا جزئيًا. نموذج يتميز بوجود سكان في نفس المنطقة يختلفون في الأصل الجغرافي والأصل الثقافي واللغة الأم ولا يتعين عليهم التفاعل مع بعضهم البعض أو مواجهة بعضهم البعض أو وجود تبادلات ثقافية. لذلك فهو منظور ثابت لا يتطلب بالضرورة التواصل الثقافي بين مختلف الأفراد ، مما يجعلهم مجتمعات موازية. نموذج يتناقض مع الواقع، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الجيلين الثاني و الثالث من المهاجرين، الذين ولدوا أو نشأوا في أوروبا، حيث هم حتما على اتصال وثيق مع أقرانهم في المدرسة وفي مسارهم التعليمي والمهني.

النموذج الثاني لاندماج هو ما يسمى بالمرور من حالة ثابتة إلى التبادل الاجتماعي والثقافي بين مختلف الناس. هذا هو مفهوم الانتركلتور  “Interkultur”الذي يقوم على الالتزام بالبحث عن أشكال وأدوات وفرص لتطوير حوار بين الثقافات والمقارنة البناءة، والتي تفترض مسبقًا القدرة على تعزيز مواقف المقارنة بين الأفكار والقيم و الثقافات المختلفة، بحثًا عن نقاط لقاء. نقاط التقاء لتعزيز التنوع والاختلاف، من خلال التشابك التواصلي، من أجل الاعتراف المتبادل، حيث تشير البادئة “inter” إلى التبادل بين الثقافات، وقرب الآخر، في أرض خصبة للتفاوض والتبادل والإنتاجية وثراء المقارنة.

ومع ذلك، لا يكفي أن تكون متعدد الثقافات(interkulturell)  للحديث عن مجتمع موحد. هنا يأتي مفهوم جديد يسير في اتجاه تعزيز إنشاء مجتمعات متوازنة، مجتمع يمكن فيه تحديد النقاط والقيم المقدسة والمشتركة، دائمًا تحت ظل الثروة العظيمة التي تميز عالمنا، أي التنوع. يتعلق الأمر ب”  “Transkulturalität” عبر الثقافات، أي القدرة على عبور حدود الثقافات بحكم الوعي بأننا بشر ونعيش في نفس الأرض ونتشارك في مشروع المواطنة، المدعوم بالمبادئ والقيم الأخلاقية العالمية.

وبالتالي، من الضروري بناء ثقافة جديدة قادرة على تجاوز الثقافات الفردية، في فهم مشترك قائم على القيم الضرورية، من أجل التفكير وتنفيذ مشروع التعايش السلمي، الذي يضمن الحقوق الأساسية في الحرية والمعرفة والإبداع واحترام الاختلافات في اللغة والثقافة والدين. لبناء ثقافة بين الثقافات أصيلة، من الضروري الاستثمار ثقافيًا في مفاهيم القيمة التربوية للمؤسسات التعليمية المختلفة في تطوير مشروع تربوي يهدف إلى تعليم الاختلاف والحوار والمقارنة بين الثقافات.

في حالة الطوارئ الوبائية الحالية لـ Covid -19 التي نعيشيها، وتتابع عمليات الإغلاق و الحجر الصحي، أدرك كل منا بالتأكيد مدى أهمية العيش في المجتمع وأن الحياة دون التواصل بين الناس أمر محزن وممل وغير صحي لحياة الجميع. إذن، من بين التحديات و الأهداف المهمة التي يجب أن تتركز عليها طاقاتنا وجهودنا، هي الاستثمار أكثر في الإنسان، في إنشاء مجتمع قائم على القيم والمبادئ المشتركة التي تهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي والصالح العام.

لهذه الأسباب، فإن شعار مدونتنا هو #wirsindtranskulturell للمساهمة في إنشاء مدينة غنية بتعددها وجاهزة للاستماع إلى جميع الأصوات.

بقلم أسماء أيت اعلالي

Kommentieren

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *